إن الحمد لله.. نحمده ونستعينه, ونستغفره ونستهديه, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا.. إنه من يهد الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له.. وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له.. وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.. صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا كثيرًا..
أما بعد..
فقصة أبرهة معروفة لدى كل الناس.. إنه أبرهة الأشرم الذي جاء بحده وحديده من اليمن ليهدم الكعبة كما يعرف الجميع...
وهو في طريقه إلى مكة استطاع أن يغنم بعض الإبل من أهل مكة، مائتين من الإبل أخذها ثم بدأ يستعد لدخول مكة...
وقبل أن يدخل مكة قابل عبد المطلب جدّ رسول الله صلى الله عليه وسلم, وكان سيد مكة في ذلك الوقت, وكان قد خرج ليفاوض أبرهة قبل أن يدخل إلى مكة, فلما رأى أبرهةُ عبدَ المطلب أجلّه وعظّمه وأكرمه, وأجلسه إلى جواره وكانت عليه هيبة.. وسأله أبرهة قائلاً: ما حاجتك؟ فقال عبد المطلب: حاجتي أن يردّ عليّ الملك مائتي بعير أصابها لي!!..
لقد ظن أبرهة أن عبد المطلب سيسأل عن البيت.
فقال له أبرهة: قد كنتَ أعجبتني حين رأيتك، ثم قد زهدْتُ فيك حين كلمتني!
واستصغر أبرهةُ عبدَ المطلب في نظره لأنه يتحدث في مائتي بعير ويترك بيت الله الحرام!!
قال أبرهة: أتكلمني في مائتي بعير أصبتها لك، وتترك بيتاً هو دينك ودين آبائك قد جئت لهدمه لا تكلمني فيه؟!
فقال عبد المطلب كلمةً يعتقد البعض أنها جميلة تدل على اليقين.. قال: "إني أنا رب الإبل، وإن للبيت رباً سيمنعه"!..
وهذا الموقف الذي وقفه عبد المطلب من أبرهة موقف فيه سلبية مقيتة..
أيعيش الإنسان يبحث عن لقمة عيشه, وعن حياته, وعن أولاده, وعن إبله, وعن ملذاته, ويترك دين الله عز وجل.. لله يحميه؟!
الحق أن من اعتقد هذا فلا بد أنه يعاني من قصور شديد في الفهم.. وانعدام للرؤية..
ومع ذلك.. وبعد هذا الموقف السلبي من أهل مكة.. وبعد تفرُّق أهل مكة في شعاب الجبال.. وبعدما أخلوا مكة لأبرهة ليدخلها بجيوشه وبفيله... بعد هذا الموقف السلبي نزلت الطير الأبابيل!! نزلت المعجزة الكبرى.. طيور صغيرة ترمي بحجارة من سجيل.. أهلكت جيش أبرهة ومن معه..
لماذا نزلت الطيور الأبابيل؟ لماذا نزلت على قوم سلبيين؟
لأن هذه كانت سنة الله عز وجل في إهلاك الظالمين.. كانت هذه هي السنة الماضية في إهلاك الظالمين قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم..
كان الله عز وجل يهلك الظالمين بخارقة.. والمؤمنون لا يرفعون سيفاً ولا يشتبكون في قتال.
ولما أحاط هذا الخطر ببيت الله الحرام طُبِّقت السنة حتى في غياب المؤمنين. لقد كان هذا يحدث أيضاً مع الأنبياء السابقين قبل النبي صلى الله عليه وسلم
نوح عليه السلام:
لما كذبه قومه، وشعر أنه لا أمل في إيمانهم.. وقف يدعو الله عز وجل كما صورت آيات القرآن الكريم: [فدعا ربه أني مغلوب فانتصر].. فاستجاب الله لدعائه وقال: [ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر، وفجّرنا الأرض عيوناً.. فالتقى الماء على أمر قد قدر، وحملناه على ذات ألواح ودسر..]
لم يحدث لقاء بين المؤمنين وبين الكافرين، وإنما حدث الطوفان، وحمل الله المؤمنين في السفينة بهذه الخارقة.
لوط عليه السلام:ـ
لما كذبه قومه قال: [رب نجني وأهلي مما يعملون]..
فجاءت الأوامر من الله عز وجل: [فأسر بأهلك بقطع من الليل واتبع أدبارهم.. ولا يلتفت منكم أحد.. وامضوا حيث تؤمرون]..
لم يكن هناك أي نوع من أنواع اللقاء.. ثم يوضح سبحانه بعد ذلك ما حدث للقرية الظالمة بعد أن خرج منها لوط عليه السلام: [فجعلنا عاليها سافلها, وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل]..
حتى مع بني إسرائيل:ـ
الذين حمّلهم الله أمانة إقامة دولة وإنشاء أمة.. لما أحيط بهم في أرض مصر، وانقطع أمل موسى عليه السلام في إيمان فرعون وقومه قال موسى عليه السلام كما حكى القرآن على لسانه: [ربنا اطمس على أموالهم، واشدد على قلوبهم؛ فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم]..
فجاء الأمر الإلهي: [فأسر بعبادي ليلاً.. إنكم متَّبعون]... ولم يحدث لقاء بين قوم موسى عليه السلام وبين فرعون، ولم يؤمر قوم موسى بقتال فرعون وجنوده، وإنما أمروا فقط بالخروج من مصر إلى غيرها، وانطلق موسى عليه السلام ومن معه من بني إسرائيل حتى وصلوا إلى البحر ولما وصلوا إلى هناك فقد بنو إسرائيل الأمل في النجاة؛ لأنهم رأوا جيوش فرعون من ورائهم.. وصوَّر الله تعالى الموقف في كتابه الكريم: [فلما ترائى الجمعان قال أصحاب موسى: إنا لمدركون!! قال: كلا.. إن معي ربي سيهدين].. فكانت تلك هي الكلمة الوحيدة المؤمنة التي قيلت في مثل هذا الموقف.. كلمة موسى عليه السلام: [كلا.. إن معي ربي سيهدين].. أما بقية القوم فإنهم اضطربوا اضطراباً شديداً لما رأوا جيش فرعون، ومع ذلك قال الله عز وجل: [فأوحينا إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر.. فانفلق، فكان كل فرق كالطود العظيم.. وأزلفنا ثَمَّ الآخرين، وأنجينا موسى ومن معه أجمعين]..
ولم يكن هناك ضحايا ولا شهداء.. نجا كل بني إسرائيل مع كونهم قالوا: [إنا لمدركون]!!
وقال الله تعالى: [ثم أغرقنا الآخرين].. فأُهلك فرعون الظالم بخارقة!.. شق الله البحر, وأهلك فرعون عليه لعنة الله ومن معه من الجنود.
كان هذا شأن السنة الإلهية في التعامل مع أعداء الحق ومع الجبابرة الظالمين في كل العصور السابقة وحتى زمان أبرهة كما رأينا..
لكن الله تعالى شرّع سنة جديدة في الطريقة التي يُهلَك بها الظالمون بعد خمسين يوماً فقط من قصة أبرهة.. وذلك بميلاد رسول الله صلى الله عليه وسلم.. كانت حادثة الفيل هي آخر الحوادث التي يُنصر فيها الدين بخارقة..
نعم ما زالت سنة إهلاك الظالمين باقية..
[وقال الذين كفروا لرسلهم لنُخْرِجَنَّكُمْ من أرضنا.. أو لتعودُنَّ في ملتنا.. فأوحى إليهم ربهم: لنُهْلِكَنَّ الظالمين، ولنُسْكِنَنَّكُمُ الأرض من بعدهم.. ذلك لما خاف مقامي وخاف وعيد]
أي أمة تخاف مقام الله عز وجل, وتخاف وعيده سبحانه.. لابد أن تُمَكَّنَ في النهاية, ولابد أن يُهلك الظالمون المحاربون لها..
سنة ماضية إلى يوم القيامة..
ـ ولكن الذي تغيَّر مع ميلاد رسول الله صلى الله عليه وسلم هو طريقة الإهلاك..
كان الظالمون في السابق يُهلكون بالخوارق..
أما في الرسالة الجديدة رسالة الإسلام فالسنة هي: [إن تنصروا الله ينصركم، ويثبت أقدامكم]..
ـ لابد أن يقدم المسلمون العمل.. الخالص لله عز وجل.. والصحيح على منهاج النبوة..
فإذا قدم المسلمون العمل أنزل الله عز وجل ما يشبه الطير الأبابيل..
أنزل بركة ورحمة وأمناً وتأييداً وتوفيقاً على المؤمنين..
أنزل سخطاً ونقمة وعذاباً على الكافرين..
لكن بغير عمل.. لن تنزل الطير الأبابيل..
وبغير جهد وبذل وعطاء.. لن تُرمى حجارة من سجيل..
إنها السنة الجديدة الخاصة بأمة الإسلام..
وهي سنة ماضية إلى يوم القيامة.. لا تبديل لها ولا تحويل..
[إن تنصروا الله ينصركم، ويثبت أقدامكم]..
كثير من الناس يُحبَطون من رؤية الظالمين يتمكنون من رقاب المؤمنين, ويتعلقون بأهداب أمل بعيد أو مستحيل أن تنزل الطير الأبابيل على الكافرين فتهلكهم، بينما يراقب المسلمون الموقف عن بعد!!..
هذا وهم.. هذا غياب فهم.. هذا عدم فقه لسنة الله عز وجل في التغيير..
لابد أن يعتمد المسلمون على أنفسهم، وعلى سواعدهم، وعلى شرعهم ومنهجهم..
لابد أن يعتمد المسلمون على "ربهم".
والاعتماد على الله لا يكون إلا كما يريد هو سبحانه، لا كما نريد نحن بأهوائنا..
الله عز وجل وضع لنا سننًا واضحة في التغيير، قد تختلف حسب المرحلة التي يعيشها المسلمون..
قد يكتفي المسلمون في زمن بالدعوة.. وقد تكون هذه الدعوة سراً, وقد تكون جهراً..
قد يحتاج المسلمون إلى معاهدة، وقد يحتاجون إلى جهاد..
قد يجاهدون قوماً, ويتركون آخرين..
وقد يجاهدون الكفار أجمعين..
وبحسب المرحلة تتغير الطريقة..
ولكن في كل الأحوال لابد أن يُقدِّم المسلمون شيئاً..
لا ينزل النصر على قوم كسالى..
لا ينزل على قوم قاعدين..
لا ينزل على قوم سلبيين..
لذلك لا يعجبني الدعاء الذي يدعو به بعض الناس..
[اللهم أهلك الظالمين بالظالمين، وأخرجنا من بينهم سالمين]..!!
وأين دورك إذن؟!
أتكتفي بالمراقبة.. ثم تسوقك الأحداث سَوقاً إلى سيادة وتمكين وعزٍّ وصدارة؟
هذا وهم.. هذا ليس من سنن الله عز وجل..
إنما السنّة: [إن تنصروا الله ينصركم، ويثبت أقدامكم]
وتذكروا: نحن لسنا في زمان أبرهة..
ولن تنزل الطير الأبابيل بعد ذلك على الظالمين إذا فرّ من أمامهم الصالحون في رءوس الجبال..
نحن الآن نشاهد الصواريخ والطائرات والدبابات والبوارج الأمريكية تعربد في كل بلاد المسلمين.. والمسلمون ينظرون بحسرة لمن جاء يدمر بلادهم وأوطانهم.. ويقتِّل أبناءهم وشيوخهم ونساءهم.. وهم كما يظن البعض لا يملكون شيئاً.. فيقولون: عسى الله أن يرسل طيراً أبابيل.. أو يرمي بحجارة من سجيل..
عسى الله أن يُحدث معجزة..
عسى الله أن يأتي بخارقة..
إلى هؤلاء الذين يعتقدون مثل هذا الاعتقاد.. أوجه نداءً من قلبي..
إلى أولئك الذين ينتظرون الصواعق أن تنزل على قاصفات أمريكا..
وإلى أولئك الذين ينتظرون خسفاً بجنود الأمريكان في الكويت والسعودية والعراق وقطر وعُمان وتركيا وباكستان وأفغانستان وأوزبكستان وغيرها... وإلى أولئك الذين ينتظرون طوفاناً يغرق أساطيل الأمريكان في الخليج العربي والبحر الأبيض والأحمر، والأسود والأصفر... وكل ألوان الدنيا..
إلى هؤلاء جميعاً أقول: سيطول انتظاركم!!..
لن تنزل الطير الأبابيل أو أشباهها إلا بعمل..
سنة واضحة.. [إن تنصروا الله ينصركم، ويثبت أقدامكم]..
إخواني في الله..
نحن لسنا أعز على الله عز وجل من نبيه محمد صلى الله عليه وسلم..
لقد مضت معه هذه السنّة في كل حياته..
في غزوة بدر
وقف أبشع أجيال الكافرين يتزعمهم فرعون هذه الأمة.. يقاتلون خير أجيال الأرض.. يقودهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك لم تنزل الطير الأبابيل على جيش الكافرين لتمنع اللقاء بينهم وبين المؤمنين..
بل على العكس..
كل الملابسات كانت تدفع دفعاً إلى القتال.. حتى على غير رغبة الطرفين!!
قال الله عز وجل: [ولو تواعدتم لاختلفتم في الميعاد.. ولكن ليقضي أمراً كان مفعولاً].
ويقول في موضع آخر: [وإذ يريكُمُوهم إذ التقيتم في أعينكم قليلاً, ويقلِّلُكم في أعينهم؛ ليقضي الله أمراً كان مفعولاً..]
كان لابد من اللقاء.. ولم تنزل الطير الأبابيل قبل اللقاء..
مع أن جيش المؤمنين أكرم على الله عز وجل ألفَ ألفِ مرة من أهل مكة حين غزاها أبرهة..
لكنها سنّةٌ جديدة تستقر..
[إن تنصروا الله ينصركم، ويثبت أقدامكم]..
ـ لا بد من اختيار المكان..
ـ لا بد من الشورى الحقيقية..
ـ لا بد من تنظيم الصفوف..
ـ لا بد من التأليف بين القلوب..
ـ لا بد من حمل السيوف..
ـ لا بد من خطة محكمة..
ـ لا بد من دعاء مستفيض..
ـ لا بد من ثبات راسخ..
ـ لا بد من جراح.. وآلام.. ودماء.. وشهداء..
وعندها ستنزل الطير الأبابيل..
تنزل في صورة ملائكة.. في صورة مطر.. في صورة رعب يُلقى في قلوب الكافرين.. في صورة فُرقة وتشتُّت في صفوف أعداء الدين... في أي صورة يختارها الله رب العالمين..
لكن المهم: لابد من عمل.. لابد من حركة.. لابد من إيجابية..
وفي غزوة الأحزاب:
كان جيّش الكافرين عشرة آلاف يحاصرون خير الأنبياء وخير الأصحاب..
الإسلام مهدد بالاستئصال..
الحق الكامل في داخل المدينة.. والباطل الكامل حولها..
ولم تنزل الطير الأبابيل على جيش الكافرين..
ولم يحدث لهم خسف ولا صاعقة ولا صيحة ولا طوفان..
السنَّة واضحة..
[إن تنصروا الله ينصركم, ويثبّت أقدامكم]..
ـ لا بد من اليقين بالنصر..
ـ لا بد من الوحدة بين المؤمنين..
ـ لا بد من الخطة المناسبة..
ـ لا بد من حفر الخندق..
ـ لا بد من الصبر على الجوع..
ـ لا بد من عقد الأحلاف..
ـ لا بد من فك الرباط بين صفوف المشركين واليهود..
ـ لا بد من حسن المبارزة..
ـ لا بد من قوة المخابرات..
كل ذلك جنباً إلى جنب مع العقيدة السليمة والعبادة الصحيحة..
وعندما يحدث كل ذلك.. ينزل نصر الله على عباده الثابتين..
وتنزل الطير الأبابيل أو أشباهها..
تنزل في صورة ريح.. في صورة فُرقة بين المشركين واليهود.. في صورة رعب.. في صورة رأي سديد...
المهم.. لابد من عمل.. وعمل دءوب.. عمل صالح.. عمل مخلص لله عز وجل..
وعلى الجانب الآخر...
في غزوة أحد
هُزم المسلمون الأكرمون من الكافرين الملحدين لما خالفوا المنهج..
وخاطب الله عز وجل رسوله والمؤمنين.. قال تعالى: [ أولما أصابتكم مصيبة.. قد أصبتم مثيلها قلتم: أنَّى هذا؟!..]
لقد انتصرتم قبل ذلك في بدر.. والآن تقولون بعد الهزيمة: أنى هذا؟! يتعجب المسلمون لماذا أصيبوا بهذه الهزيمة من المشركين.. ويأتي رد الله تعالى واضحًا: [قل: هو من عند أنفسكم، إن الله على كل شيء قدير]..
المسلمون في غزوة أحد لم يخالفوا مخالفة تكتيكية فقط عندما ترك الرماة الجبل..
لقد خالفوا مخالفة قلبية خطيرة: [.. منكم من يريد الدنيا!!]..
ولم تنزل الطير الأبابيل على المسلمين لتنقذهم من أخطائهم..
لأن السنة المستقرة التي وضعها الله لهذه الأمة هي:
[إن تنصروا الله ينصركم, ويثبت أقدامكم]..
وتذكروا دائماً: نحن لسنا في زمان أبرهة.. نحن في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم..
وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.. وسنة الله التي شرعها لأمة رسول الله صلى الله عليه وسلم..
ما العمل؟؟!
والآن ما العمل مع هذا الوضع الذي تعيشه أمة الإسلام في هذه الأيام؟
ما العمل مع المأساة التي تمر بها العراق؟ ومع المصائب التي تعاني منها فلسطين؟ ومع الكوارث التي تتوالى على الشيشان؟؟
ما العمل مع الظلم الذي يقع على المسلمين في كشمير وفي البوسنة وفي كوسوفو وفي الفلبين وفي بورما وفي أفغانستان وفي السودان وفي ليبيا وفي غيرها من بلاد المسلمين...؟؟
إنها ليست مشكلة دولة.. أو مشكلة مجتمع.. أو مشكلة فرد..
إنها مشكلة أمة كاملة..
أمة عاشت سنوات تقود غيرها فإذا بها تقاد!!..
أمة رفعت رأسها قروناً فإذا هي تطأطئ رأسها للشرق والغرب!!..
أمة ظلت دهراً تعلم الناس الخير وتضرب للناس الأمثال في الأخلاق، وتأخذ بأيديهم إلى طريق الله عز وجل.. فإذا بها بعد أن عَرَفت طريق الهدى وعَرَّفت به.. إذا بها تتبع هذا وذاك..
مشكلة خطيرة..
وأنا لست مع أنصاف الحلول..
ولست مع تمييع القضايا..
ولست مع العلاج المؤقت..
نحن لا نريد تفريغاً للشحنات..
لا نريد مهبِّطات للحرارة دون علاج الأسباب الحقيقية للمرض..
لا نريد شعارات جوفاء ولا أصواتًا عالية ولا تشنُّجات مفتعلة..
لا نريد تعليق أخطائنا ومشاكلنا وهمومنا على شماعة حاكم أو عالم أو داعية أو جماعة أو صديق أو عدو..
نحن نريد فقهاً عميقاً لأسباب المرض.. وعلاجاً شرعياً لها..
والمشكلة في اعتقادي مشكلة فكرية في المقام الأول..
هي مشكلة سوء فهم خطير لكثير من الأصول الثوابت في الإسلام..
سوء فهم انتشر في أبناء الأمة من أقصاها إلى أقصاها.. إلا من رحم الله عز وجل..
والحل إذن في العودة إلى فهم الإسلام من مصادره الأصيلة..
في قضية العراق مثلاً:
تجد أطروحات كهذه:
ـ نجد من يقول: إن على صدام حسين أن يتنحى..
ـ وآخر يقول: على الدول العربية أن تسير في الطرق السلمية مهما تفاقم الأمر..
ـ وهناك من يقول: على الأمم المتحدة أن تتحرك..
ـ والبعض يقول: إن على الأمريكان أن يُنهوا حل المشكلة بسرعة..
ـ ورأي آخر يرى أنه يجب على العراق أن يدمر كل أسلحته..
ـ ومنهم من يقول: على المسلمين أن يستنفروا الصين وألمانيا وفرنسا وروسيا للوقوف أمام أمريكا..
ـ وفريق يريد درعاً بشرياً في العراق...
أهذه أطروحات كان سيضعها رسول الله صلى الله عليه وسلم لو كان يتابع معنا الموقف في العراق؟
نحن نريد توحيد المفاهيم على أساس شرع الله عز وجل..
ونريد حركة بهذه المفاهيم وسط أبنائنا وأحبابنا وجيراننا ومجتمعاتنا..
ونريد عملاً بكل مفهومٍٍ علمنا أنه في دين الله عز وجل..
مفاهيم تحتاجها الأمةُ:
سأطرح هنا بعض المفاهيم التي أشعر أن الأمة في احتياج لها..
أخاطب بها كل مسلم.. حاكماً كان أو محكوماً.. عربياً كان أو أعجمياً.. قريباً كان أو بعيداً.. يعيش في بلد محتل.. أو يعيش في بلد حر...
كل مسلم.. وأي مسلم.. رضي بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولاً..